12 November 2007

عبرة



انتصف الليل واشتد الظلام الحالك في معظم الأرجاء واستسلم الجميع لعيونهم الناعسة التي تطالبهم باسترخائها بعد يوم شاق طويل وخلا هذا الشارع الواسع من المارة واستعد الجميع لقضاء إحدى ليالي الشتاء البارد , وأغلقت المنازل أنوارها وانطفأت المصابيح التي كانت تنير المكان منذ لحظات. فجأة شعرت بالوحدة, أدركت فقط في هذا الظلام الذي يسبح في كافة الأرجاء أنى وحدي , أسير بمفردي في هذا المكان المظلم ولكني كنت بحاجة إلى أن أصبح في هذه اللحظة بعد أن ضاقت بيا الحياة وتكاثرت عليا الهموم والأحزان .كنت أسير هائما لا اعبأ بما يحويه هذا الليل من وحشة وما تخبئه هذه الظلمة من أخطار وما يحمله القدر

من غموض . لا أستطيع أن اصف لكم ما كان يعتمل في نفسي ,فقد صرت في داخلي شيئا مهموما متشابكا وصرت في خارجي كشخص يهرب من أمواج متلاطمة في بحر هائج عميق يفغر فاه مستعدا لابتلاعه في لحظة حاسمة, هذا البحر هو بحر الحياة الذي لفظني خارجه منذ لحظات بعد معركة طويلة كنت أسعى جاهداً أن اخرج منها سالما ولكني كنت أمنى نفسي بسراب الخلاص وأخيراً هزمني ذلك البحر المتلاطم فقررت أن اعتزل الحياة لمدة ليلة افرغ فيها همومي واحزانى وأبث فيها سخطي وانفعالاتي. لم أتخيل لحظة أنى سأصبح وحيداً هائماً أسير في طريق طويل لا اعلم أين ينتهي ولا متى ينتهي. نظرت إلى السماء الواسعة التي شملتها السحب الكثيفة التي تجمعت وتآزرت لكى تخفى المعالم الجميلة لهذه السماء الصافية فتذكرت نفسي فهذا المشهد تكرر داخلي, فقد تجمعت كتل الأحزان والهموم لتعيق صفاء نفسي, لقد اختفى كل شيء مبهج هذه الليلة. حتى الطبيعة بخلت عليّ بمشهد يصرف عنى جزء من حزني, ولكني لا أستطيع أن اكتم ما يختلج في نفسي من صراعات,لا أستطيع أن أمضى هذه الليلة دون أن افرغ همّي,لقد قررت أن أكون صادقاً مع نفسي, لقد قررت السماح لدموعي بان تنهمر ولعواطفي بان تفيض. وبالفعل ما أن تلقت دموعي هذا الأمر المباشر حتى تجمعت في عيني تستعد للهطول فنظرت مرة أخرى للسماء وهذه السحب الكثيفة تملؤها قد تجمعت بقوة,لقد أعلنت الطبيعة أنها ستشاركني همومي وتبكى معي............. نعم, لقد أعلنت الطبيعة أنها ستشترك معي في هذه اللحظة الخاصة وتسقط هذه الدموع الكثيرة التي تسمى أمطار. بدأنا نبكى سويا وكان كلانا يبكى بغزارة فاختلطت دموعي الساخنة بقطرات المطر الباردة فكونا مزيجاً خاصاً, هذا المزيج هو دفقات مشاعري الناطقة مختلطة بجزء من تلك الطبيعة الصامتة وكأن هذه اللحظة تشابهت في الداخل والخارج,فكان الظلام يحيط بنفسي ويكتنف جوانبها وهو أيضاً كان يحيط بالدنيا من حولي.كنت أتخيل نفسي وأنا اسقط في هوة عميقة لا قرار لها,لا اعرف ما يتظرنى في نهايتها.لقد صفعت الحياة جميع أبوابها امامى ولكني لن ايئس ولن استسلم. لقد نسيت الحياة أن تغلق باباً واحداً امامى,لقد أبصرت فرجة صغيرة من احد الأبواب ,هذه الفرجة يمضى منها شعاع صغير وبرغم صغره ولكنه كان قوياً نافذاً,كان باب الأمل. بدأت أتوقف عن البكاء واسحب دموعي المنهمرة بشدة,وبالفعل تمالكت نفسي وتوقفت نهائياً عن البكاء .......... عجباً,لقد سحبت السماء أمطارها وتوقفت عن الهطول.لقد أعلنا التوقف عن البكاء سوياً كما بدأناه سويا.قررت أن أسير خلف هذا الشعاع الذي سيؤدى بي حتماً إلى الأمل بعد اليأس .سأتخلى عن لحظات الضياع والفقدان.كانت أشعة الشمس الغائبة تبدأ في الانتشار,إن الشمس تشرق معلنةً انتهاء هذه الليلة الطويلة التي قضيت داخلها أصعب لحظات حياتي.أفضيت للطبيعة مشاعري والامى وعشت معها أروع لحظاتي الخاصة,

هذه اللحظات أخذت منها عِبرات بعد أن انحدرت من عيني العَبرات,أشرقت الشمس ومعها النور والأمل ورأيت الخيوط الذهبية لأشعتها تنبثق في عنان السماء لتزيل ما كان بها من ظلمة وحلاك وتعلن مولد يوم جديد............ في الحياة.

بدا الناس يخرجون من منازلهم فنظرت لوجوههم التي تفيض باشراقة الأمل والسعادة,لم اشعر لحظتها أنى وحدي,فالناس يسيرون معي بعد أن كنت أسير بمفردي أسيراً للظلام,وسرعان ما امتلاء هذا الشارع الطويل بالمارة الذين بدؤا يومهم الجديد ملقين الأمس خلف ظهورهم.لن انظر خلفي أبداً, سأنظر دائما امامى,سأنظر للجانب المشرق من السماء ,سأنظر للشمس.

كانت هذه ليلة من حياتي. فيا لها من ليلة............. ليلة عبرة.

بقلم اخى و صديقى / إسلام صالح



No comments: